في زمن الحروب العربيّة العربيّة؛ كتب رجل عربيّ :
((( ... دمْعيَ الماطر منْ عين السماء ...
أنا الإنسان المهزوم بدماء ناسي، وأقواسي، وأفراسي، وما قذفتني به النيران من شظى المآسي ... أنا الفارُّ من معارك الإخْوَة، وتهاوي أسوار الأمّة، وثقافة الأزمة تلوَ الأزمة، التي لم تنجب ضوء الهمّة لكنّها أنجبت أخدود النكبة بعد النكبة ... أنا الذي رفضتني الصحراءُ، والبيداءُ، والحدائق الفيحاءُ، والآلاءُ التي كان منها الضياءُ، والبسمات التي بها القلب يُسْتضاءُ ... أنا الذي كانت عنده أمٌّ تملأ البيت كلّ صباح بالبُخور والدعاء كي لا تصيبَه روائح الكروب، وكانت عنده حبيبة تضع يدَها في يده عند الباب قائلة في همْس " تعود لي بالسلامة " وعيناها مغرورقتان رعْباً من الحروب، وكانت عنده بُنيّة تنتظره أمام الباب وعندما تراه من بعيد تجري وذراعاها جناحا حمامة ترفرف للطيران فوْق الدروب ... وذات لحظة ذهبْن من غير أن أودّعهن مثلما ذهب قبلهن أبي وإخوتي وأقوامٌ وأقوام ... ذهب الذين أحبهم ذهبوا ذهبوا ... آه لِمَ ذهبوا، وكيف ذهبوا ؟ ... كنت أنا آخر رجال البيت، وهُن آخر من أحبّ في هذه الحياة التي فقدتْ شمسَها وقمرَها ونجماً مسائياً كان يُضيءُ ليلي الطويلَ المتقلّب ... ذهبوا ذهبوا جميعهم، ومن حينها ما ذهب الدمْعُ ولا ذهب القمعُ ولا ذهبتْ ظلمة ترافقني وأنا لا أعرف أنا، وأنا أسائل أنا : مَن أنا ؟ ... بكيْتُ كالباكين في المآتم وغير المآتم بدمْع يقول كلّ شيء ولاشيء، ولما شابتْ ربوعي وجفّتْ دموعى سرْت في الأطلال فبكتْ لي حينا، وعانقْتُ ما لمْ يتكسّرْ من الأحجار فبكتْ لي حينا، وخرجْتُ إلى الأرياف الفارغة من كل حَيّ فبكتْ لي حينا، ثم نظرْتُ إلى السّماء لعلّني أناجي مَن وراء السماء فما وجدْت سماءً، فاختنقتُ مُطأطئاً رأسي، ومن محفظة مرْمية لتلميذ مرّ ذات يوم من هنا أوِ اخْتطِفَ هنا أو قتِل هنا استخْرجْتُ بقايا أقلام وورقة حزينة ثمّ رسَمْت بئراً وريفاً مُضبّباً فوقهُما سماءٌ، ولما أثثتُ البئرَ ارْتسمَتْ في وجْه السماءِ عيْنٌ دامعة فقامَتِ السماءُ فوْق وُجودي وراحَتْ عيْنُها تُمْطِرُ تُمْطِرُ تُمْطِرُ دمْعاً ليعودَ لي دمْعي وأواصلَ رحْلة الدموع ... وها أنا ذا أنْتِجُ الدموع وراءَ الدموعِ حتّى ألْحَق بالذين سالتْ لذهابهم كلُّ الدموعِ ... ))).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
16 / 04 / 2017
بقلم : الأستاذ الدكتور بومدين جلالي - الجزائر
((( ... دمْعيَ الماطر منْ عين السماء ...
أنا الإنسان المهزوم بدماء ناسي، وأقواسي، وأفراسي، وما قذفتني به النيران من شظى المآسي ... أنا الفارُّ من معارك الإخْوَة، وتهاوي أسوار الأمّة، وثقافة الأزمة تلوَ الأزمة، التي لم تنجب ضوء الهمّة لكنّها أنجبت أخدود النكبة بعد النكبة ... أنا الذي رفضتني الصحراءُ، والبيداءُ، والحدائق الفيحاءُ، والآلاءُ التي كان منها الضياءُ، والبسمات التي بها القلب يُسْتضاءُ ... أنا الذي كانت عنده أمٌّ تملأ البيت كلّ صباح بالبُخور والدعاء كي لا تصيبَه روائح الكروب، وكانت عنده حبيبة تضع يدَها في يده عند الباب قائلة في همْس " تعود لي بالسلامة " وعيناها مغرورقتان رعْباً من الحروب، وكانت عنده بُنيّة تنتظره أمام الباب وعندما تراه من بعيد تجري وذراعاها جناحا حمامة ترفرف للطيران فوْق الدروب ... وذات لحظة ذهبْن من غير أن أودّعهن مثلما ذهب قبلهن أبي وإخوتي وأقوامٌ وأقوام ... ذهب الذين أحبهم ذهبوا ذهبوا ... آه لِمَ ذهبوا، وكيف ذهبوا ؟ ... كنت أنا آخر رجال البيت، وهُن آخر من أحبّ في هذه الحياة التي فقدتْ شمسَها وقمرَها ونجماً مسائياً كان يُضيءُ ليلي الطويلَ المتقلّب ... ذهبوا ذهبوا جميعهم، ومن حينها ما ذهب الدمْعُ ولا ذهب القمعُ ولا ذهبتْ ظلمة ترافقني وأنا لا أعرف أنا، وأنا أسائل أنا : مَن أنا ؟ ... بكيْتُ كالباكين في المآتم وغير المآتم بدمْع يقول كلّ شيء ولاشيء، ولما شابتْ ربوعي وجفّتْ دموعى سرْت في الأطلال فبكتْ لي حينا، وعانقْتُ ما لمْ يتكسّرْ من الأحجار فبكتْ لي حينا، وخرجْتُ إلى الأرياف الفارغة من كل حَيّ فبكتْ لي حينا، ثم نظرْتُ إلى السّماء لعلّني أناجي مَن وراء السماء فما وجدْت سماءً، فاختنقتُ مُطأطئاً رأسي، ومن محفظة مرْمية لتلميذ مرّ ذات يوم من هنا أوِ اخْتطِفَ هنا أو قتِل هنا استخْرجْتُ بقايا أقلام وورقة حزينة ثمّ رسَمْت بئراً وريفاً مُضبّباً فوقهُما سماءٌ، ولما أثثتُ البئرَ ارْتسمَتْ في وجْه السماءِ عيْنٌ دامعة فقامَتِ السماءُ فوْق وُجودي وراحَتْ عيْنُها تُمْطِرُ تُمْطِرُ تُمْطِرُ دمْعاً ليعودَ لي دمْعي وأواصلَ رحْلة الدموع ... وها أنا ذا أنْتِجُ الدموع وراءَ الدموعِ حتّى ألْحَق بالذين سالتْ لذهابهم كلُّ الدموعِ ... ))).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
16 / 04 / 2017
بقلم : الأستاذ الدكتور بومدين جلالي - الجزائر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق