بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 19 سبتمبر 2017

نهاية العالم/ قصة قصيرة بقلم الكاتب فؤاد محمد حسن


نهاية العالم/ قصة
طويل هذا اليوم ، هذه المسافة التي تفصل باب المشفى عن باب بيتها ،لكن في جميع الأحوال تمضي الحياة ، نظرت هدى حولها تبحث عن آلهة الجمال والألفة ،لم تكن إسراء في جوارها ،تركتها في العدم ،تحاول قدر المستطاع مواجهة جنود الموت ،منذ أن غادرتها فقدت هدى الغذاء والدفء والسمر الليلي والحكايات ، تذكرت كيف كانت إسراء جميلة ،لكن قلبها اعتقد للحظة أن النهاية ستصل ،لم تكن تستطيع أن تكتشف نقطة انطلاق بالضبط حتى تبلغ الحقيقة ،طوال اليوم وهي تتأرجح في مقعدها المتحرك بصورة قلقة حزينة ،وهنا وقفت ،وشعرت بعدم الارتياح عند التوقف ،ربما بسبب خوفها مما تفكر به . كل شيء يوحي بالحيرة في هذه الغرفة ،فيض من الأفكار مرتبة بانتظام تنزلق الآن ،إضافة إلى ذلك كان هناك درجة من الإحباط على وجه هدى ،ولأن الاحتمالات واسعة ، كان تفكير سيء واحد يثير بالضرورة مجموعة معقدة من الأفكار تغرق الحياة بأكملها باليأس ،عبثاً كانت تقتل في دواخل نفسها هواجس تشعرها بالوحشة، فهي موجودة هناك في المشفى ،وهنا هاتفها ... سجادة الصَّلاة الخاصة بها... وعباءتها.... كلُّ أشيائها كانت أمامها إلَّا إسراء ،مسكت دفترها وقرأت آخر الشذرات التي كتبتها،فبدت كأنها كانت تنتظر حدوث شيء ما يعيد للبشرية جمعاء معنى وجود الإنسان ،في كتاباتها كل شيء ممكن ،القيام بنزهة ،الارتفاع للأعلى ،ثم القفز للأسفل ،وحتى السقوط ممكنا ، أو حتى النط من جانب إلى أخر ،مأساتها الكبرى في مرضها الذي حرمها من القيام بهكذا حركات ،ابتسمت هدى بحزن وهي تنادي بحدة " إسراء ...إسراء " يتجاوز الوقت منتصف الليل ،تجد هدى نفسها خائفة تلفها الوحدة ،ووحيدة ، وصامتة ،يحتويها القلق الذي يلف ردهة الغرفة ،لم تستطع أن تجلس في المكان الَّذي اعتادت الجلوس فيه معاً،كي لا ترى مكانها خالياً منها ،دفعت كرسيها المتحرك نحو النافذة ،في الغالب ينظر المرء إلى السماء للتخلص من الضغوط ،فبدت لها مظلمة وقبيحة ، كان ثمة خليط من الإدراك في تفكيرها يختلط مع ما هو متوقع ، أكان من اللائق أن يخفوا جميع الأهل حالة إسراء لمجرد إنها تحبها ،نظرت إلى الأرض رمز الحياة ،وقفت متسمرة والهواء عبر النافذة جافا وفاترا ، ثم عادت إلى الطاولة ،تعيد ترتيب الروايات التي اشترتها ليقرؤها سويا ،تتأمل الكتب تعيد قراءة العناوين ، بينما عقلها يواصل الاستنتاجات والبديهيات . دقات الساعة تشير إلى الثالثة صباحا ،عندما رن الهاتف ، طلبت من أخيها أن يضع سماعة الهاتف على فم إسراء ،لم تسمع هدى إلا أنفاس تصارع الموت ،نفس ...اثنان ...ثلاثة ....أربعة وتتلاحق الأنفاس بسرعة اكبر ،قالت لها هدى مفتعلة الهدوء إسراء ...إسراء لكن إسراء لم تعد تستطيع الكلام . سحقا للزمن اللعين انه يسرق اغلي ما عندنا ،ضاقت الدنيا بصدر هدى فارتمت في حضن ذاتها ،لا حضن لها،وبكت ألما ودما أكثر منه دموع ،انتحبت على أختها ، وانتحبت على نفسها .أجهشت في البكاء وحبال صوتها يمزقه الألم - إسراء ..يا حبيبتي .. استرجعت هدى الأيام الخوالي حين كانت تلعب معها لعبة " الغميضة "، لعبة الظهور والاختباء ,لكن هل كانتا تدركان إنها قانون فصل الروح عن العالم وفصل العالم عن الروح ، وعندما تفتح هدى عينيْها لا تجدها، في كلِّ مرة كانت إسراء تهرب منها فتبقى تبحث عنها؛ تعجز عن إيجادها في كلِّ زوايا البيت، يدخلها اليأس حد البكاء فتظهر لها وهي تضحك . لازال قلب هدى يحلم ان يعيش يوم أضافي مع إسراء ،كانت بجسدها النحيل الذي لم تغادره الطفولة بعد ، والذي يخفي وراءه ذكريات تكسر العظم ،تحاول طرد الأفكار السوداء ،التفتت يمينا وشمالا في محاولة يائسة لعودة الهدوء ، أوشكت على فقد الوعي، وبدأت الأشياء تفقد حدودها ، وفجأة رن الهاتف ، انه أخوها يهاتفها من المشفى بصوت بارد ووقور :
ــ إسراء في العناية المركزة ونحتاج أوراقها الثُّبوتية..
ــ ألم تقولوا أنها أفضل اليوم وستخرج من المستشفى؟؟
ــ قال الطَّبيب نريد أن نطمئن عليها أكثر.. ـ
ـ عندما تأتي إلى البيت خذني معك لأراها..
ــ نعم سوف آخذك إليها..
حمدت الله ، وبين لحظة وأخرى ينزلق في داخلها غصة بلغت مداها ، فصرخت : - ليتني أموت قبلك ...ليتني كنت أنت تدق الساعة السادسة تماما .. ويعلوا صوت قرآن ،فندت عنها صرخة دوت أرجاء المكان ،شيء واحد لن تعثر عليه بعد اليوم هو نفسها ولا تدري أين ستجدها .
فؤاد حسن محمد/ سوريا/ جبلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق