معركة الجمل
محمد شلبى أمين
محمد شلبى أمين
لم يخرج من عبائة أحد ،نبت كالسواد الأعظم من أبناء طينة هذه الأرض السوداء،رغم سنه لم يزل يحتفظ بهيبته ،والبقية الباقية من عصر ريادته.
فى لحظة دفء عائلى ،وصفاء عزيز..بادرتهم بأنى سأرشح نفسى أمامه لأصبح مدبرا لشئون العائلة مستغلا هذا الدفءوهذا الصفاء،مستثمرا تأكيده اللامتناهى على ديمقراطية القائد ،ربما ميله الزائد عن الطبيعى إلى رأيى فى القرارات الحاسمة هو الدافع لذلك ،رغم أننى لست الكبير الذى رضع الحنان منفردا،ولا الصغيرالذى يدلل كآخرحبة فى عنقودالعائلة التى صنعت على عينه وتكونت من صراعه الأبدى مع الأرض وساكنيها.
جحظت العيون واصفرت الوجوه ،أمسيت مرتعا للشفقة ومأوى للزجر بكل ألوانه، وأصبح الهجوم علىّ هو السلوك الطبيعى تجاه غرورى ،تمنيت لوأن هذه اللحظة لم تتجاوزحدود جسدى ولم يحسها غيرى أو أنى أستطيع إعادة الكلمات إلى حلقى، لكن مادامت واقعا فعلى أن أصمد حتى النهاية ،قالها لى ذات مرة :الكلمة قذيفة إذا أطلقتها لايمكن إعادتها ، حدد أهدافك دائما قبل إطلاق قذائفك.
همست رقم عشرة فى ترتيب القدوم إلى الدنيا فى أذنى بصوت يسمعه جميعهم محاولة التخفيف عنى مستغلة حبه وحبى وحبهم لها:لورشحت نفسك أمام أى واحد فينا لفزت عن جدارة ،أما أمامه فلا أظنك ستحصل حتى على صوتك.
زال الشحوب قليلاعن الوجوه المنتظرة ، هدأقلبى من روعته،بدأت أنفاسى المتسارعة تنتظم ،ظهرت الابتسامات الباهتة متلهفة لرده حتى تصفوأوتموت.
نظر إلىّ فى لحظة قاهرة ، نظرة آسرة ،نطق مزلزلا اللقاء بانتفاضه :وأنا سأعطيك صوتى..استعد للمنافسة،غدا ستشهد القرية المعركة الفاصلة بينى وبينك،انصرف عنا ليتركنا فى معارك جدلية انتهت بسؤال واحد..كيف سيقنصك كما كان يفعل فى كل معاركه التى لم يهزم فى إحداها قط ؟،فى كل معركة كان يقنص خصمه بطريقة جديدة ،تدرس حتى الآن ،لم يكرر نفسه أبدا.
سمعنا من يعلن فى الناس عن موعد المعركة بينى وبينه..ساعتها أيقنا جميعا أنه أراد أن يربينى على رؤوس الأشهاد ،ويربى من تسول له نفسه أن يقترب من كبريائه ،ليته ربانى بينهم ولم يفضحنى على رأس الخلائق،قطعا هو الفائز بالعقل والمنطق والتكوين النفسى والجسمانى ،هو الفارس النبيل الذى لم يقهره قاهر على الأرض ،تشهد على ذلك معركة الجمل الذى قضى على صاحبه الجديد وانطلق مهرولا فى شوارع القرية محطما كل ما يعترضه بحثا عنه، ساعتها استغاثه الناس .
ظهر فى الميدان ،تحلق الخلق فى عجب لما دار بينهما ،إذعنفه وزجره ،الجمل ثائرلايهدأ،أمسكه من رقبته واضعا وجهه قبالة وجهه هامسا حتى تمتلئ عينيه بصورته وتتشبع أذنيه بصوته،لم يهدأ،لوى عنقه،أجلسه ،جلس أمامه ناظرا فى عينيه مخاطبا ..هل هناك مايستحق ذلك؟غافله،قفز على صدره،أجهد نفسه محاولا الإفلات منه ،لم يستطع،صاح انتصارافاتحا فاه،أدخل يده فى فمه قبض على حنجرته ،انسل مسرعا ،قافزا فى الهواء بخفته المعهودة ممسكا بلجامه ،ربطه فى شجرة الخلد،ظل بعيدا عنه حتى سكت عنه الغضب،ظهرت الحيرة والأسف على وجهه،أعلن الناس انتصاره تصفيقا وإعجابا،جلس أمامه ،نظر فى عينيه كعادته إذا تحاورا ،فى حدة لماذا وضعتنا فى هذا المأزق؟
كلهم راهنوا على فوز أحدنا ،راهنت على محبتنا ،ضربت بها عرض الحائط ،نسيت رفقتنا ،لم يشغلنى الفوز بقدر خوفى من أن يمسك أحدهم بسوء ،أعلم أنك ترفض بيعك ،أنا مثلك، فعلتها على عينى ، لكنى لن أتركك تموت أمام عينى جوعا ومرضا ،مرالوقت سريعا ،أفقت على عصاه السريعة الغليظة تلهبنى ،قوى رغم سنه ،سريع الحركة رغم شيخوخته،يضرب بعنف ،آه لماذا وضعتنى فى هذا الموضع ،يارجل لاطاقة لى بمواجهتك ،أنت تعلم وأنا أعلم وهم يعلمون أنك تؤدبنى ليس أكثر فارفق بى .
تعامدت الشمس ،الأسد الوثاب ..الواثق من كل خطوة وكل لفتة،درس لن ينسوه جميعا ،ولن أنساه أنا وكل ذريتى من بعدى.صديقى الأوحد عصاه لاتترك لى اختيار ،هروبى الدائم منها،لايرونه انهزام بل عبقرية وفروسية ،من يستطيع أن يتفادى عصاه التى تبرق وترعد وتهطل ؟
هروبى الدائم وملاحقته حركا عصاى لتمنع عصاه من الوصول لجسدى،محاولة لتخفيف الألم ،ليتنى أستطيع الفرار،أعيش بعار الهزيمة المقرون بذل الهروب من المعركة ،لن أخجل أن أفعلها..فقط تأتينى الفرصة، حتى هذا لن يتركه لى ،العصا تهوى على رأسى، أرفع عصاى لأمنعها،تأخذنى الهمة فى تفادى الضربات ، برد فعل لاإرادى ترتفع عصاى لتهوى على رأسه فى المرة الوحيدة التى استطاعت أن تصل عصا إلى هذه المنطقة من جسده على مر عمره،لم يترنح ولم يحاول ،سقط سقوط السماء على الأرض فى مشهد زلزكل الكيانات الشاهدة،زلزلنى قبلهم،صمت مغمض العينين حاد الملامح، لم يستطع أحدهم أن يهنئنى بالنصر الذى نشده جلهم ،شلت يدى التى امتدت نحوه .
أراد أن يتركنى بينهم فى صورة المنتصر،حتى ولو كان نصرا صوريا تخلى فيه عن بطولته ،ليحفر المعركة بينى وبينه فى القلوب وعلى جدار الزمن وأحجار المنازل وجزوع الأشجار ،لم أستطع حمله،أتى صديقه برك إلى جواره فى حنان يفوق حنان البشر،أخذ يتشممه،استفاق قليلا،زحف على ركبتيه،بصعوبة اعتلى ظهره،سارا فى عزة إلى أن غابا عنا.
فى لحظة دفء عائلى ،وصفاء عزيز..بادرتهم بأنى سأرشح نفسى أمامه لأصبح مدبرا لشئون العائلة مستغلا هذا الدفءوهذا الصفاء،مستثمرا تأكيده اللامتناهى على ديمقراطية القائد ،ربما ميله الزائد عن الطبيعى إلى رأيى فى القرارات الحاسمة هو الدافع لذلك ،رغم أننى لست الكبير الذى رضع الحنان منفردا،ولا الصغيرالذى يدلل كآخرحبة فى عنقودالعائلة التى صنعت على عينه وتكونت من صراعه الأبدى مع الأرض وساكنيها.
جحظت العيون واصفرت الوجوه ،أمسيت مرتعا للشفقة ومأوى للزجر بكل ألوانه، وأصبح الهجوم علىّ هو السلوك الطبيعى تجاه غرورى ،تمنيت لوأن هذه اللحظة لم تتجاوزحدود جسدى ولم يحسها غيرى أو أنى أستطيع إعادة الكلمات إلى حلقى، لكن مادامت واقعا فعلى أن أصمد حتى النهاية ،قالها لى ذات مرة :الكلمة قذيفة إذا أطلقتها لايمكن إعادتها ، حدد أهدافك دائما قبل إطلاق قذائفك.
همست رقم عشرة فى ترتيب القدوم إلى الدنيا فى أذنى بصوت يسمعه جميعهم محاولة التخفيف عنى مستغلة حبه وحبى وحبهم لها:لورشحت نفسك أمام أى واحد فينا لفزت عن جدارة ،أما أمامه فلا أظنك ستحصل حتى على صوتك.
زال الشحوب قليلاعن الوجوه المنتظرة ، هدأقلبى من روعته،بدأت أنفاسى المتسارعة تنتظم ،ظهرت الابتسامات الباهتة متلهفة لرده حتى تصفوأوتموت.
نظر إلىّ فى لحظة قاهرة ، نظرة آسرة ،نطق مزلزلا اللقاء بانتفاضه :وأنا سأعطيك صوتى..استعد للمنافسة،غدا ستشهد القرية المعركة الفاصلة بينى وبينك،انصرف عنا ليتركنا فى معارك جدلية انتهت بسؤال واحد..كيف سيقنصك كما كان يفعل فى كل معاركه التى لم يهزم فى إحداها قط ؟،فى كل معركة كان يقنص خصمه بطريقة جديدة ،تدرس حتى الآن ،لم يكرر نفسه أبدا.
سمعنا من يعلن فى الناس عن موعد المعركة بينى وبينه..ساعتها أيقنا جميعا أنه أراد أن يربينى على رؤوس الأشهاد ،ويربى من تسول له نفسه أن يقترب من كبريائه ،ليته ربانى بينهم ولم يفضحنى على رأس الخلائق،قطعا هو الفائز بالعقل والمنطق والتكوين النفسى والجسمانى ،هو الفارس النبيل الذى لم يقهره قاهر على الأرض ،تشهد على ذلك معركة الجمل الذى قضى على صاحبه الجديد وانطلق مهرولا فى شوارع القرية محطما كل ما يعترضه بحثا عنه، ساعتها استغاثه الناس .
ظهر فى الميدان ،تحلق الخلق فى عجب لما دار بينهما ،إذعنفه وزجره ،الجمل ثائرلايهدأ،أمسكه من رقبته واضعا وجهه قبالة وجهه هامسا حتى تمتلئ عينيه بصورته وتتشبع أذنيه بصوته،لم يهدأ،لوى عنقه،أجلسه ،جلس أمامه ناظرا فى عينيه مخاطبا ..هل هناك مايستحق ذلك؟غافله،قفز على صدره،أجهد نفسه محاولا الإفلات منه ،لم يستطع،صاح انتصارافاتحا فاه،أدخل يده فى فمه قبض على حنجرته ،انسل مسرعا ،قافزا فى الهواء بخفته المعهودة ممسكا بلجامه ،ربطه فى شجرة الخلد،ظل بعيدا عنه حتى سكت عنه الغضب،ظهرت الحيرة والأسف على وجهه،أعلن الناس انتصاره تصفيقا وإعجابا،جلس أمامه ،نظر فى عينيه كعادته إذا تحاورا ،فى حدة لماذا وضعتنا فى هذا المأزق؟
كلهم راهنوا على فوز أحدنا ،راهنت على محبتنا ،ضربت بها عرض الحائط ،نسيت رفقتنا ،لم يشغلنى الفوز بقدر خوفى من أن يمسك أحدهم بسوء ،أعلم أنك ترفض بيعك ،أنا مثلك، فعلتها على عينى ، لكنى لن أتركك تموت أمام عينى جوعا ومرضا ،مرالوقت سريعا ،أفقت على عصاه السريعة الغليظة تلهبنى ،قوى رغم سنه ،سريع الحركة رغم شيخوخته،يضرب بعنف ،آه لماذا وضعتنى فى هذا الموضع ،يارجل لاطاقة لى بمواجهتك ،أنت تعلم وأنا أعلم وهم يعلمون أنك تؤدبنى ليس أكثر فارفق بى .
تعامدت الشمس ،الأسد الوثاب ..الواثق من كل خطوة وكل لفتة،درس لن ينسوه جميعا ،ولن أنساه أنا وكل ذريتى من بعدى.صديقى الأوحد عصاه لاتترك لى اختيار ،هروبى الدائم منها،لايرونه انهزام بل عبقرية وفروسية ،من يستطيع أن يتفادى عصاه التى تبرق وترعد وتهطل ؟
هروبى الدائم وملاحقته حركا عصاى لتمنع عصاه من الوصول لجسدى،محاولة لتخفيف الألم ،ليتنى أستطيع الفرار،أعيش بعار الهزيمة المقرون بذل الهروب من المعركة ،لن أخجل أن أفعلها..فقط تأتينى الفرصة، حتى هذا لن يتركه لى ،العصا تهوى على رأسى، أرفع عصاى لأمنعها،تأخذنى الهمة فى تفادى الضربات ، برد فعل لاإرادى ترتفع عصاى لتهوى على رأسه فى المرة الوحيدة التى استطاعت أن تصل عصا إلى هذه المنطقة من جسده على مر عمره،لم يترنح ولم يحاول ،سقط سقوط السماء على الأرض فى مشهد زلزكل الكيانات الشاهدة،زلزلنى قبلهم،صمت مغمض العينين حاد الملامح، لم يستطع أحدهم أن يهنئنى بالنصر الذى نشده جلهم ،شلت يدى التى امتدت نحوه .
أراد أن يتركنى بينهم فى صورة المنتصر،حتى ولو كان نصرا صوريا تخلى فيه عن بطولته ،ليحفر المعركة بينى وبينه فى القلوب وعلى جدار الزمن وأحجار المنازل وجزوع الأشجار ،لم أستطع حمله،أتى صديقه برك إلى جواره فى حنان يفوق حنان البشر،أخذ يتشممه،استفاق قليلا،زحف على ركبتيه،بصعوبة اعتلى ظهره،سارا فى عزة إلى أن غابا عنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق