بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 25 فبراير 2020

فتاة شجرة الجوز // وليد.ع.العايش

فتاة شجرة الجوز 

في ذاك المساء المكفهر ، ك وجه جارنا الذي تجاوز التسعين ومازال يحلم بأن يعود إلى العشرين ، كنت هناك على مفرق محنط لم يبدل مكانه منذ أن شعرت به لأول مرة في حياتي ، تحت شجرة جوز عجوز هي أيضا ، انتظر قدومك من خلف أكمة شجر تكاتف كي لا يسقط فيموت . 
ربما طال انتظاري قليلا ، داهمتني أفكار مبعثرة ، كان معظمها أسود اللون ، لكني لم اتزحزح قيد حياة عن مكاني ، وبقيت عيناي ملتصقة بشريط طويل من الذكريات ، لعل ماكان يؤنس وحدتي ذاك التفكير بأنك سوف تأتي ، وبأني سوف احتضنك غير كل مرة ، أشعلت العديد من سجائري ، تطايرت مع نسمات المساء ، لم ترض أن تبقى معي ريثما تأتين ... 
كثيرا ما حاولت أن اغادر المكان ، لكن شجرة الجوز العجوز تمنعني ، تشدني إلى حضنها كما كانت تفعل أمي عندما كنت صغيرا ، لكنها لا تراعي بأني صغير فتضربني ، وتعود بعد هنيهة كي تصالحني ببعض الكلمات ، وأحيانا بقطعة حلوى مكسرة الأجنحة ، سألت نفسي : ( هل شجرة الجوز أحن من أمي ) ... يا للهول كيف نفكر نحن البشر . 
بدأت الشمس تحط رحالها خلف جبل أصلع الرأس ، وبدأت أفقد الكثير من الشجاعة والأمل ، إنه الانتظار الصعب ، تذكرت بأن جدتي كانت تردد عندما يغيب جدي لفترة طويلة في رحل الصيد ( ما أقسى الانتظار ياولدي ) . 
فجأة توقف ميكرو النقل على هاوية الرصيف ، قفز قلبي إلى بابه المهشم ، بل قفزت كلي صوبه ، لابد أن تنزلي من هذا الباب ، هبطت فتاة في العشرين أو أقل بقليل ، كانت جميلة جدا ، ترتدي حجابا على الطريقة الحديثة ، ظننتها أنت آنذاك ، لكن عندما تلاقت نظراتنا عرفت بأنها هي ولست أنت ، رمقتني بنظرة سريعة ، تركت ابتسامة مثيرة ، أعطتني ظهرها بغنج قبل أن تنطلق باتجاه مدك ريفي قديم ، بل إنها تركت كل غنج النساء خلفها ، لعلي يومها فكرت كثيرا بأن اتبعها ، لكن شجرة الجوز العجوز نادت علي بصوت مرتفع : ( تعال إلي تعال هذه ليست لك ) ... 
قبلت جذعها وكتبت عليه : ( من لا يطيق الانتظار فلا يحب ) ... 

وليد.ع. العايش 
21/ 2 / 2020

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق